الأربعاء، مارس 30، 2011

ثقافة البقاء للأقوى !! ( دكتور - عمرو أبو خليل )


إن أكبر جريمة ارتكبها مدعو التنمية البشرية وأفاقوها في حق الناس هي أنهم صوروا الحياة كمكان للأقوياء والناجحين فقط، وأن غاية الإنسان هي الوصول لقمة النجاح، وإلا فلا قيمة لحياته.

ولذا فإنهم يتحدثون عن المفاتيح العشرة للنجاح، وكيف أنهم درسوا حياة الناجحين، واستخلصوا منها أسباب النجاح التي ليس على أي إنسان إلا أن يتبعها حتى ينجح ما دام قد اختار نموذج

النجاح الذي يريده ويتمناه.

وزاد الطين بلة أن بعض من يسمون بالدعاة الجدد وقعوا في نفس الفخ، ولكن بصورة أخطر؛ لأنهم ألبسوا الأمر مسوح الدين، فتحول الإسلام على أيديهم إلى دين الأقوياء والمتفوقين فقط، ليجد -لا أقول الضعفاء فقط- ولكن البشر العاديين أنفسهم لا هم بشر بلغة مدعي التنمية البشرية، ولا مسلمين بلغة الدعاة الجدد.

لنرى حالات الاكتئاب والقلق تزيد بشكل مخيف نتيجة نشر أفكار هؤلاء التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهم لا يشعرون أنهم الأبناء المخلصون لحضارة المارة التي تزن الإنسان بمقدار قوته وتفوقه.

وكانت أعظم تجلياتها وأشدها تطرفا هو الفكر النازي الذي كان يرى أن الحل لضمان التفوق هو إعدام الفقراء والضعفاء، والمرضى، وربما لو تمكن لذبح أيضا البشر العاديين حتى يضحي التفوق للجنس الآري.

من قال إن القوة هي التي تسعد الإنسان أو تسبب تقدمه، ومن قال إن الحياة مخلوقة للأقوياء فقط، وليس بها مكان للضعفاء من قال إن الإسلام دين الأقوياء فقط، وليس دين الضعفاء.
الحياة للأقوياء

إن لي عنق النصوص الدينية لإثبات النظرية المادية التي تعتمد القوة والتفوق معيار التمايز بين
البشر هو من أخطر الجرائم التي ترتكب في حق الناس العاديين البسطاء.

فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، لها سياق قد قيلت فيه، ولها شرح يعلمه علماء الحديث، ولا تؤخذ على إطلاقها في غير سياقها.

لأن الواقع أن الدين الإسلامي تعامل مع البشر البسطاء العاديين، وكان حديثه دائما لهم؛ لأنه الدين الخاتم للبشر جميعا، وكانت أعظم حقيقة يضعها في اعتباره هو الضعف البشري {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفا} [الأنفال:66].

فضعف البشر معتبر ومقدر في أخطر اللحظات وأهمها، بل وعند وضع كل تشريع، فالمسلمون
يسعى بذمتهم “أدناهم”، والضعيف أمير الركب، والانحياز إلى الضعفاء البسطاء، هو الموقف الواضح لهذا الدين، بل وكل دين، فالمستضعفون في الأرض وجعلهم أئمة هو أحد نتائج التمكين لدين الله في الأرض.

هي ليست دعوة للضعف أو الخنوع، ولكنها وقفة ضد تيار غريب يندفع فيه أصحابه بقصد أو بغير قصد، وهم لا يدرون ما يسببونه من مآس في حياة الناس العاديين الذين تعتريهم لحظات القوة والضعف والصحة والمرض، والتخاذل، والتفوق، ولا يقلل ذلك من شأنهم.

إن وهم القوة المستمر أو النجاح اللامتناهي، الذي يباع للناس فتفسد حياتهم يجب أن يتم التصدي لها؛ لأن قبول الإنسان لقدراته وإدراكه لذاته كما هي دون مبالغة أو تقليل هو جزء من سواء الإنسان النفسي وطبيعته.

أما محاولة فرض تصور الإنسان السوبر الوهمي النابع من حضارة إعلاء قيمة القوة والتفوق واعتبارها معيار النجاح الوحيد، يجب أن يفيق له الجميع، فإن عملية “النمذجة” بفرض نموذج الثقافة الغربية المادية على كل العالم هو عين ما يتم من خلال هذه الصرعة المنتشرة بين ظهرانينا.

في حين أن ثقافات أخرى كالثقافة الصينية أو الهندية، أو غيرها رفضت النموذج الغربي انطلاقا من مبادئ الكوفوشيسية أو البوذية وترى قيمة الإنسان في أمور أخرى تخصهم.

فما بالنا ونحن نمتلك ثقافة أعمق وأكثر بناء، واتزانا في رؤيتها للإنسان، نخضع لهذه الرؤية القاصرة، إنها الهزيمة الثقافية ومحاولة إعادة إنتاج ما يأتينا في قالب نتصور أنه يحل مشاكلنا.

ولكنها الحقيقة، إننا نضرب أخطر ما نملك وهو الإنسان، حيث نشعره بضآلته؛ لأنه ما دام غير متفوق ولا قوي فلا يستحق أن يكون إنسانا من الأساس، فضلا عن أن يكون مسلما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق